الخميس، أكتوبر 29، 2009

ضرورة عقلنة التعامل مع الحديث النبوي

في رواية لجابر بن عبد الله أنّ النبيّ "رأى امرأة، فدخل على زينب بنت جحش، فقضى حاجته منها، ثمّ خرج إلى أصحابه فقال: إنّ المرأة تقبل في صورة شيطان، فمن وجد من ذلك شيئا فليأت أهله، فإنّه يردّ ما في نفسه، وفي رواية يضمر ما في نفسه". رواه مع اختلافات طفيفة كلّ من مسلم والترمذي وابن ماجة وابن القطان والألباني، وأكّدوا صحّته. سنتوقّف عند هذا الحديث النبويّ، كي نؤكّد مقولة كنّا تبنّيناها تقول إنّ الاعتداد بالأحاديث النبويّة التي سجّلت بعد قرابة مائتي السنة من عصر النبيّ اعتداد باطل، ما لم نعمل فيها مبضع العقل، ونطبّق قواعد المنطق والمعقول فيها لتبيّن صحّتها. فلا يكفي أن نعتمد المبادئ التي اعتمدها رواة الحديث من الجرح والتعديل وغيرها، لأنّ كلّ تلك المبادئ لم تمنع حديثا مثل الذي بين أيدينا من الوصول إلى القارئ المعاصر على أنّه حديث صحيح موثوق فيه.

لنتصوّر الحدث النبويّ السابق، واضعين إياه في أطره الزمانية والمكانية والشرطية. كان النبيّ جالسا في مجلس مع بعض من أصحابه، فإذا بامرأة تمرّ، ويراها النبيّ فيشتهيها. يعتذر من أصحابه، ويدخل على زينب بنت جحش، فيقضي منها وطره، ثمّ يسارع بالعودة إلى أصحابه، ليتمّ ما كانوا يتحدّثون به. وليبرّر ما فعل، يقول إنّ المرأة تقبل في شكل شيطان، وأنّ الأسلم للرجل أن يسارع إلى أهله، لئلا ينساق إلى إغواء الشيطان.

دعونا نحلّل عناصر الحدث النبويّ السابق. سنفترض، ولا بدّ أن نكون محقّين، أنّ النبيّ كان في ثلّة من أصحابه يناقشون مواضيع تتعلّق بشؤون الأمّة والدين والمجتمع. فليس من عادة النبيّ، وفق كتب السيرة، أن يجلس مع أصحابه ليتسامر معهم أو ليبادلهم المزاح وتزجية الوقت. فجأة تمرّ امرأة، فيترك النبيّ ما هو فيه من جدّ الحديث والنقاش حول قضايا الأمّة ويسارع إلى زوجه ليقضي منها وطرا. مبدئيا، هذا سلوك لا يناسب قائدا بمكانة النبيّ ولا في سنّه (1). ومن جانب آخر تهمل كلّ الراويات التي قصّت علينا هذا الحدث وصف المرأة، فهل كانت شابّة أم عجوزا، جميلة أم قبيحة، سافرة أم محجّبة، وبالتالي تهمل القصّة أسباب التفات القائد والزعيم لهذه المرأة، وانشغاله بها عن صحبه والمواضيع التي كان يتحدّث فيها.

وبغضّ النظر عن أهمّية الحديث الذي كان يدور بين النبيّ وصحبه، فليس من اللائق أن يترك الرجل مجلسه، ليدخل إلى بيت زوجه، ليقضي منها "حاجته،" ثمّ يعود ليكمل وكأنّ شيئا لم يكن. ففي هذا السلوك طيش لا يمكن للنبيّ أن يتّصف به، وفيه ازدراء بضيوفه إن كان هو المضيف، أو بمستضيفيه إن كان هو الضيف، أو بالمكان إن كانوا جميعا في المسجد أو في أيّ مكان عامّ، وهو أيضا ما يهمله الحديث.

دخل النبيّ على زينب، وفقا لنص الحديث، "فقضى حاجته منها ثم خرج إلى أصحابه…" إنّ نصّ الحديث برواياته جميعا يوحي أنّ النبي دخل إلى بيت زينب زمنا وجيزا، لأنّه خرج، فوجد أصحابه مازالوا جالسين في أماكنهم. وهذا يعني أنّ الرجل سارع إلى زوجه، فوطأها، فأنزل ماءه بسرعة البرق وعاد إلى أصحابه يكمل حديثه معهم. وهذا أيضا ليس من طبع النبيّ، ولا هو من طبع أيّ رجل يحترم نفسه ويحترم امرأته ويعاملها بالحدّ الأدنى من الإنسانية. والنبيّ نفسه يقول في حديث منسوب إليه: "لا يقعنّ أحدكم على امرأته، كما تقع البهيمة، وليكن بينهما رسول. قيل: وما الرسول يا رسول الله؟ قال: القبلة والكلام". وفي رواية أخرى لأنس بن مالك: يقول: "ثلاث من العجز في الرجل.. وذكر منها أن يقارب الرجل زوجته فيصيبها (أي يجامعها) قبل أن يحدّثها ويؤانسها ويضاجعها فيقضي حاجته منها، قبل أن تقضي حاجتها منه"، فهل ينهى النبيّ عن أمر ويأتي مثله؟ ويبدو النهج النبويّ أوضح عند الإمام الغزالي الذي يقول: إذا قضى الرجل وطره "فليتمهّل على أهله حتى تقضي هي أيضا نهمتها، فإنّ إنزالها ربّما يتأخّر، فيهيج شهوتها، ثمّ القعود عنها إيذاء لها. والاختلاف في طبع الإنزال يوجب التنافر مهما كان الزوج سابقا إلى الإنزال، والتوافق في وقت الإنزال ألذّ عندها ولا يشتغل الرجل بنفسه عنها، فإنها ربّما تستحي."(2) وهو ما يبيّن بوضوح أنّ الرجل لا يجوز أن يسارع إلى الإنزال ومغادرة الفراش قبل أن تنتهي زوجه. فإذا كان هذا هو الحال عند الرجل العاديّ، فهل يمكن للنبيّ أن يبيح لنفسه ذلك.

ثمّ ما الذي كانت تفعله زينب عند دخول النبيّ عليها، أكانت تقوم على شؤون البيت أم تتدبّر شؤون دينها؟ وفي كلا الحالتين، هل يجوز لزوجها أن يأتي فيطلب منها أن تصاحبه إلى الفراش، فتترك ما بيدها وتذهب معه لدقائق، يخرج بعدها إلى أصحابه، وماذا عنها: أتعود هي إلى ما كانت عليه، كأنّ شيئا لم يكن؟ صحيح أنّ النبيّ يقول في مكان آخر، برواية البخاري، "إذا دعا الرجل المرأة إلى فراشه فأبت أن تجيء، لعنتها الملائكة إلى أن تصبح،" ولكنّ فحوى هذا الحديث أن يدعوها الرجل في الليل بدلالة "إلى أن تصبح"، فماذا لو دخل عليها بغتة ودعاها لتوّه، أفتغضب عليها الملائكة كذلك؟

ولا يبيّن الحديث ما إذا اغتسل النبيّ بعد مواقعته زينب، ولكن يبدو من نصّ الرواية أنّه سارع في العودة إلى أصحابه، ولا يترك زمن السرد فسحة من الوقت له ليغتسل، فهل لذلك علاقة برغبته في الانتهاء من الموضوع بسرعة ومن ثمّ نسيانه، أم بالرغبة في العودة سريعا إلى أصحابه، لكي يتابع ما كان يدور من حديث هامّ، أم ليفسّر تصرّفه لأصحابه، إذ أنّه شعر ربّما بأنه تسرّع في سلوكه؟

ولكنّ الأهمّ من ذلك كلّه أن ينسب النبيّ ضعفه لعامل خارجيّ هو الشيطان. ففي الحديث أنّ النبيّ يخرج إلى صحبه، فيقول لهم: " إنّ المرأة تقبل في صورة شيطان فمن وجد من ذلك شيئا فليأت أهله فإنه يردّ ما في نفسه وفي رواية يضمر ما في نفسه". وفي رواية للألباني "إنّ المرأة إذا أقبلت، أقبلت في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته، فليأت أهله، فإنّ معها مثل الذي معها". إنّ في المماهاة بين المرأة والشيطان افتئاتا غير مقبول من قبل رجل من المفترض أنه معصوم، وأنّه لا ينطق عن الهوى. هذه المماهاة القصدية سمة من سمات الديانات التوحيدية عموما، نراها في الإسلام كما نراها في المسيحية واليهودية. ويصل هذا الأمر في بعض الأحاديث النبوية حدّا غير مقبول في أحسن الحالات. مثل ذلك قول النبيّ، وفق صحيح مسلم، "فاتّقوا الدنيا واتقوا النساء فإنّ أوّل فتنة بني إسرائيل كانت في النساء،" وقوله، حسب ابن ماجة والترمذي، "ما تركت فتنة أضرّ على الرجال من النساء،" وقوله، وفق مسلم، "عن أبي ذرّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته: المرأة والحمار والكلب الأسود." ثمّ يشرح أبو ذرّ الحديث بقوله: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم… فقال الكلب الأسود شيطان."

وآخر نقاط توقفنا هنا ستكون رواية الألباني الذي روى عن النبيّ " إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته، فليأت أهله، فإنّ معها مثل الذي معها". ههنا تشييء مبالغ فيه للمرأة. فالمعنى هنا أنّ الرجل يشتهي امرأة، فيذهب إلى زوجه لأنّ لديها نفس الأعضاء التي يمكن أن يكون قد اشتهاها في المرأة الأخرى. أليس في ذلك تحويل للمرأة من كائن بشريّ متميّز إلى شيء؟ وهل لا تشتهى المرأة إلا بسبب أعضائها؟ أليس لحديث المرأة ومعاملتها ورقّتها ودماثة روحها دور في علاقة الرجل الجنسية بالمرأة؟

لا يستقيم هذا الطرح مع العقل السليم، ولا مع الفهم السليم لشخصية النبي وتهذيبه وحكمته وقيادته التاريخية للأمّة أثناء حياته. ولا يستقيم مع عشرات الأحاديث الأخرى التي تحضّ على احترام المرأة ورعايتها. ويبقى السؤال هو التالي: هل هذا الحديث صحيح، بمعنى هل فعل النبيّ ذلك ثمّ قال ما قال؟ ثمّة إجابتان ممكنتان: نعم ولا. الإجابة الأولى فيها إساءة غير مقبولة لشخص النبيّ، من طرف من يدّعي محبّته وإجلاله. الإجابة الثانية هي الأقرب للحقيقة، ولكنّها تفترض أن نعيد النظر كلّية باعتماد الباحثين الإسلاميين على الحديث كمصدر للحقيقة التاريخية. ولعلّ في ذلك ما يشجّعنا على أن نبدأ بدراسة الخطاب النبويّ على أنه مادّة أوّلية، كانت وليدة زمانها ومكانها، وأن نخضعها للعقل والتحليل والمنطق، ثمّ نحيلها إلى ظروفها الزمانية-المكانية، فلا نأخذها كقاعدة لسلوكنا اليوم، ولا نقيس عليها، ولا نقيم عليها بنى قانونية وأخلاقية واجتماعية. ولو بعث النبي اليوم بيننا نحن البشر، لسلك في أغلب الظنّ سلوك العقل فيما يسمع على لسانه من تراثه، علما أنّ جزءا كبيرا من هذا التراث غنيّ وحافل بالقيم الإنسانية والأخلاقية الرفيعة.

هوامش:

1. تزوّج النبي زينب عام 4 أو 5 للهجرة، أي أنه كان في سنّ السابعة والخمسين أو الثامنة والخمسين. 2. "أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، دار المعارف، القاهرة، 1964، صـ 50.

 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe