الخميس، أكتوبر 29، 2009

الحجاب الممزق




نبذة عن مؤلّفة الكتاب:
مؤلّفة هذا الكتاب هي كارمين بن لادن زوجة يسلم بن لادن الأخ غير الشقيق لأسامة بن لادن. وهي الآن مطلّقة منه بعد معركة طويلة ذات أبعاد شخصية وثقافية وربّما سياسية. ولها منه ثلاث بنات هنّ: وفاء، ناجية، نور. وقد أصبحن كبيرات الآن وتخرّجن من الجامعة، أو يوشكن على التخرج فيما يخص الأصغر سنّا.
وقد تعرّفت على زوجها حوالي عام 1973 عندما جاء مع عائلته لقضاء العطلة الصيفية في سويسرا. وبما أنّ أمّها كانت بحاجة إلى النقود، فقد أجّرت لهم أحد طوابق المنزل في مدينة لوزان مقابل مبلغ من المال. وهكذا حصل التعارف بين كارمين ويسلم بمرور الأيام.
وتقول المؤلّفة إنّ أمّها إيرانية تنتمي إلى عائلة أرستقراطية شهيرة هي عائلة الشيباني. أمّا والدها فهو سويسريّ الأصل وقد طلّق أمّها منذ فترة طويلة وانقطعت العلاقة معه تماما.
المشروع العامّ للكتاب
الكتاب ألّف بعد الطلاق من عائلة بن لادن، وبعد ضربة 11 سبتمبر الشهيرة، وبعد أن عاشت المؤلّفة تسع سنوات في المجتمع السعوديّ وعرفته من الداخل. وهو بالتالي تصفية حسابات على كافّة الأصعدة والمستويات. وربما تكون متحاملة بعض الشيء. ولكنّ شهادتها كأجنبية تستحقّ أن تُقرأ على الرغم من كلّ شيء. ولكي نعطي فكرة إجمالية عن الكتاب يكفي أن نعدّد بعض عناوين فصوله: 11 سبتمبر2001، زواجي على الطريقة السعودية، حياتي مع عائلة بن لادن، البطريرك محمد بن لادن، الأجنبية (أي هي أثناء حياتها في السعودية)، سجينة في بيتي، في عقر داري، الإخوة بن لادن، 1979: الثورة الإيرانية، الأمراء السعوديون والأميرات السعوديات، إلخ.
تبتدئ الكاتبة قصتها من نقطة النهاية: أي من تفجيرات 11 سبتمبر وكيف سمعت بها لأوّل مرّة وراح قلبها يخفق بشدّة بعد أن شعرت بأنّ عائلة زوجها هي المسؤولة عن العملية، حتى قبل أن تتّضح الأمور وتعلن وسائل الإعلام الأمريكية عن الجهة المسؤولة. وكانت كارمين تقود سيّارتها من لوزان إلى جنيف عندما سمعت بالنبأ… ثمّ تشرح لنا كيف خيّم عليها قلق مرعب طيلة الأيّام الأولى، ولم تخرج من البيت مع بناتها بسبب أنّهن يحملن نفس اسم بن لادن أو كنيته. فالحياة في سويسرا والغرب كلّه لم تعد سهلة بالنسبة لشخص يحمل مثل هذا الاسم المرعب.
ثمّ تردف المؤلفة قائلة: عندما عرفت بأنّ صاحب أكبر ضربة إرهابية في التاريخ هو عمّ بناتي وأخ زوجي السابق أخذتني قشعريرة. فكيف يمكن لبناتي بعد الآن أن يذهبن إلى الجامعة وجميع زملائهن وزميلاتهن يعرفن أنّ اسمهن هو: وفاء بن لادن، أو ناجية بن لادن، أو نور بن لادن؟
ولكن لحسن الحظّ فإنّ الأساتذة والطلاب تفهّموا الوضع ولم يحقدوا على هؤلاء الفتيات البريئات اللواتي لا علاقة لهنّ بكلّ ما حدث. هذا لا يعني أنّه لم تحصل هناك مشاكل. فالواقع أنّ حياتي لم تعد ملكا لي بعد ضربة 11 سبتمبر. وحتى لو غيّرت اسم بن لادن كما نصحني البعض فإنّ ذلك لن يغيّر في الأمر شيئا، لأنّ الجميع هنا في سويسرا يعرفون أنّنا نحمل هذا الاسم منذ زمن طويل.
صورة أسامة بن لادن:
بورتريه شخصية
ثمّ تردف كارمين بن لادن قائلة: إنّ أسامة بن لادن هو الأخ غير الشقيق لزوجي يسلم. وهو أصغر من زوجي ببضع سنوات. وعندما كنت مقيمة في السعودية لم أكن أعرفه إلا عن بعد. وفي شبابه كان أسامة يمتلك هالة وهيبة سحرية تحيط به بسبب تقاه وورعه الدينيّ الشديد. وكانت العائلة كلّها تهابه وتخاف منه وتحترمه في ذات الوقت.
ولكنّ أسامة جمع في شخصه كلّ سيّئات المجتمع السعودي. وأقصد بها العقائد اللاهوتية الصارمة التي تتحكم بالحياة كلّها من المهد إلى اللحد، ثمّ عنجهية بعض السعوديين وانعدام أيّ تعاطف لديهم تجاه الآخرين أو أيّ رحمة أو شفقة. إنّهم يعتبرون أنفسهم من جنس أعلى وبقية البشرية من جنس أدنى. إنه الشعور بالاستعلاء. وهذا الاحتقار للآخر المختلف عنهم دينا وثقافة يرافقه تعصّب دينيّ شديد. وكلّ ذلك دفعني لأن أناضل أربعة عشر عاما من أجل تخليص بناتي من السجن السعودي، ومن العادات والتقاليد الإقطاعية القديمة. لقد ناضلت طويلا لكي أتخلّص من مجتمع مغلق على ذاته، لكي أقطع كلّ علاقة معه وأنجي بناتي من جحيم لا يطاق. وإذا كنت فخورة بشيء فإنّي فخورة بأنّي أخرجتهنّ من هناك وجئت بهنّ إلى جنيف لكي يعشن في بلد حرّ لا يراقبك في كل حركاتك وسكناتك، وفي كلّ لحظة من لحظات يومك.
ثمّ تقول كارمين بن لادن:
أثناء هذه الفترة الطويلة التي سبقت 11 سبتمبر أتيح لي أن أجمع معلومات كثيرة عن أسامة بن لادن وعائلته. وشهدت صعود اسمه وهيبته وسلطته على العائلة وغير العائلة. وشعرت بأنّ حقده العارم على الولايات المتحدة أخذ يتصاعد يوما بعد يوم حتى دفعه إلى ارتكاب جريمته الشنعاء في نهاية المطاف. فالرجل لا يعرف المساومة ولا الحلول الوسط.
وعندما غزا صدام الكويت عام 1990 طلب أسامة مقابلة الملك فهد من أجل إقناعه بعدم استقدام القوّات الأمريكية إلى السعودية وتدنيس أراضيها المقدسة بحسب تعبيره. وقال للملك بأنّه يستطيع أن يجيّش كلّ الأفغان العرب لدحر صدام وإخراجه من الكويت. ولكنّ الملك رفض طلبه وربّما شعر نحوه بنوع من الاستهزاء والسخرية رغم أنّ بعض الأمراء المتديّنين جدّا كانوا من أتباع رأيه. وبعدئذ تحوّل أسامة عن ولائه لآل سعود وأصبح من أشدّ أعدائهم. وراح يشيع الإشاعات السوداء عنهم ويتّهمهم بشتى أنواع التهم والنعوت لكي يهيج الرأي العامّ عليهم.
ورغم أنّها كانت قد أصبحت منفصلة عن زوجها في تلك الفترة (1993) إلا أنّها كانت لا تزال تتعاطى علاقات جيدة مع "يسلم" الذي كان يناضل من أجل الحصول على الجنسية السويسرية. وكان ينقل لها الأخبار عن السعودية وما يجري فيها من أحداث وتطوّرات. وقال لها بأنّ أخاه أسامة رغم مشاكله مع العائلة المالكة إلا أنه لا يزال يحظى بحماية بعض الأمراء على الأقل قبل ان تحصل القطيعة النهائية.
ثم تردف قائلة: إن الهوس الديني لأسامة لم يكن سرّا لأحد. وفي أعماقي كنت أعرف أنّه قادر على تدبير أعمال عنف رهيبة، عمياء. وكدليل على تزمّته الشديد تروي كارمين الحادثة التالية: في أحد الأيام بعد أن استقررنا في السعودية أنا وزوجي "يسلم" وبناتي سمعت دقّا على الباب. وكان ينبغي أن أنادي الخادم لكي يفتح الباب لأنّ الزائر قد يكون رجلا ولا يحقّ لي ان أفتح له. ولكن بحركة عفوية لا شعورية ذهبت وفتحت. فإذا بالزائر أسامة! في ذلك الوقت أي حوالي عام 1976 لم يكن معروفا كثيرا ولم يكن قد أصبح تلك الشخصية الشهيرة التي تشغل العالم حاليا. فابتسمت له وقلت بكلّ ترحاب: أخوك موجود، تفضل. فإذا به يدير لي ظهره فجأة وبسرعة البرق قبل أن يدمدم ببضع كلمات سريعة غير مفهومة. ومن وراء ظهره كان يشير إليّ بيديه أن اذهبي، انقلعي! وبالفعل فقد اختفيت مع ابنتي في الحديقة وخرج أخوه لاستقباله والتحدّث معه في غرفة مغلقة.
وبالتالي فحتّى امرأة أخيه كان يرفض أن يرى وجهها، ناهيك عن أن يصافحها باليد. وبالطبع فلم أره عندما خرج من البيت بعد ساعة أو ساعتين لم أعد أتذكّر. ثم تردف كارمين قائلة بأنها سمعت بعد ذلك التاريخ بفترة أنّ أسامة كان يكثر من الفتوحات النسائية في بيروت! وهذا كذب وافتراء. والواقع أنّ الصحافة الغربية أرادت تشويه سمعته بأيّ شكل بعد أن كبر أمره وأصبح العدوّ اللدود للغرب. وتقول كارمين بأنها لا تصدّق هذه الإشاعات على الإطلاق. فالرجل لا يمكن أن يضاجع أيّ امرأة إلا إذا كانت زوجته. ولكن هناك أخ آخر له كان مشهورا بالركض وراء الفتيات الجميلات قبل أن يعود إلى الدين ويصبح متشدّدا. وهو: محروس بن لادن. ولذلك ربما جرى الخلط بينه وبين أسامة.
أما الصورة التي تبرز الإخوة بن لادن في السويد مع فتيات جميلات شبه عاريات فالواقع أنّ أسامة ليس فيها على عكس ما قالوا، وإنما أخوه صلاح. وقد تمّ الخلط بين الاثنين أيضا. ثم تصل كارمين إلى القول: إن أسامة ومحروس كانا الأكثر تديّنا من بين كل أولاد محمد بن لادن. أما بكر بن لادن فلم يكن يجبر أحدا على تبنّي آرائه الدينية. وكان تديّنه معتدلا. ويمكن أن نقول الشيء ذاته عن بقية الإخوة. وبالتالي فلا ينبغي الخلط والتعميم. ولاتزر وازرة وزر أخرى..
وهناك حادثة ثانية أرعبت كارمين وجعلتها تشعر بأنّ أسامة ليس كبقية البشر. ففي أحد الأيام كانت العائلة تقضي العطلة الصيفية في مدينة الطائف الأكثر برودة وطراوة. وهي مدينة تقع على بعد ساعتين بالسيارة من جدّة. وقد ذهب الإخوة بن لادن – أو بعضهم- مع الزوجات والأولاد للاستراحة هناك في الجوّ الجميل للطائف. وكان من بين المسافرين نجوى، زوجة أسامة بن لادن. وكان معها طفلها الرضيع عبد الله. وتحت تأثير الحرارة أخذ الطفل يصرخ. وحاولت الأم تهدئته ولكن عبثا. وبدا أنه عطشان جدا. فقدّمت له الماء عن طريق ملعقة صغيرة. ولكنه لم يستطع أن يشرب منها لأنه رضيع وصغير جدّا. وفي ذات الوقت كانت طفلة كارمين "ناجية" تشرب الماء عن طريق قارورة الرضاعة أوروبية الصنع.
فعرضتها على نجوى لكي تسقي ابنها منها. ولكن نجوى رفضت وهي تكاد تنفجر بالبكاء. فسألتها لماذا ترفضين؟ فقالت: لأنّ والده لا يقبل بأن يلوّث ابنه فمه بهذه الآلات الأوروبية! فقالت لها: ولكن الولد قد يموت من العطش. وبالفعل فقد كان يصرخ أكثر فأكثر.
وعندئذ غضبت كارمين غضبا شديدا ولم تعد تستطيع السيطرة على أعصابها. وانفجرت في وجه زوجها قائلة: اذهب وأقنع أخاك بأن نسقي الطفل من قارورة الرضاعة! فذهب إليه في الغرفة المجاورة وحاول معه طويلا، ولكن عبثا. فأسامة لا يغيّر رأيه بسهولة، وهو مصرّ عليه. وعندئذ تأكّدت كارمين من الظلامية الدينية لأسامة وأصبحت تخاف منه مثل الآخرين. فالجميع يهابونه. والرجل مستبدّ يفرض على زوجته الطاعة الكاملة. ولا تجرؤ على أن تفتح فمها في حضرته. وفي غيابه تبدو ذليلة ومسحوقة الشخصية تماما. وهذه هي نتيجة التربية المتزمّتة التي تصل حدّ الإرهاب وقتل شخصية الآخر وخاصّة إذا كان امرأة.
وتعتقد كارمين أن البطريرك، أي الشيخ محمد بن لادن، كان سيغضب من تصرّفات ابنه أسامة لو أتيح له أن يعيش ويشهد ما فعله. ولكنه مات في حادث طائرة وهو في التاسعة والخمسين من العمر. صحيح إنّه كان تقيّا ورعا ولكنّ قلبه كان يعرف الشفقة والرحمة ولا يقبل بقتل الأبرياء هكذا باسم الدين. فالرجل كان راجح العقل ويفرّق بين ما يجوز فعله وما لا يجوز. وبالتالي فقد كان مسلما منفتحا محترما، وذلك على عكس ابنه الذي أعماه التطرف والحقد والظلامية المرعبة.
ثم تتحدث كارمين عن مشاكل زوجها بعد اندلاع الثورة الإيرانية الاصولية عام 1979 واهتزاز المملكة تحت وطأة أحداث عديدة كتمرد الشيعة في المنطقة الشرقية، أو احتلال المسجد الحرام من قبل جهيمان العتيبي وجماعته. وبعدئذ فكر في مغادرة البلاد جدّيا والاستقرار في سويسرا. ثم تروي المؤلفة الحكاية التالية عن الاضطرابات العصبية غير المفهومة ليسلم بن لادن وتقول:
في عام 1985 عقدت قمّة بين ميخائيل غورباتشوف ورونالد ريغان في سويسرا. وتحوّلت قريتنا القريبة من مركز القمّة إلى قلعة محصنة بسبب الوجود الكثيف للشرطة وأجهزة الأمن.
وعندئذ شعر "يسلم" بالرعب وانتابته نوبة غير مفهومة من القلق الشديد. وكنت أعرف أنّ قريتنا هي المكان الأكثر أمنا في العالم بسبب وجود رئيس الولايات المتحدة فيها. وقد حاولت إقناع زوجي بذلك، ولكن عبثا. فمخاوفه لم تهدأ.
ولذلك قرّر السفر إلى لندن والإقامة فيها طيلة فترة القمّة. وبما أنه كان يرفض أن يركب الطائرة لوحده خوفا من سقوطها، فإنّني اضطررت إلى السفر معه لطمأنته.
فالواقع أنه أصبح يخشى السفر في الطائرات، بل وحتى الخروج من البيت ليلا. ولذلك اضطررت للسفر معه وترك الأطفال في المدرسة.
وعندما ركبنا الطائرة انتابني شعور مرعب. قلت بيني وبين نفسي: هو يخشى أن يحصل تفجير في بيتنا بسبب وجود رجال الأمن أو أي شيء آخر، فلماذا لا يخشى على بناته بعد أن سافر هو وأصبح في مأمن؟ وتردف قائلة:
بالطبع فأنا أعرف أنّهن في أمان، ولكن من وجهة نظره فإنهنّ في خطر شديد دفعه إلى الهرب. فلماذا لا يشعر بالخوف عليهن؟ هل يمثلن حقّا شيئا مهمّا بالنسبة له؟
عندئذ انتابتني القشعريرة وعرفت أنّ بناتي لا تساوي حياتهنّ أيّ شيء بالنسبة لوالدهنّ! وعرفت أنّ البنت ليست كالذكر بالنسبة للرجل السعودي أو ربّما العربي ككلّ. فلو كانت البنات صبيانا ذكورا لما تركهنّ أبدا في سويسرا. حقّا إنّ المرأة لا شيء بالنسبة للرجل الشرقي.
ثمّ تتساءل المؤلفة:
هل كان زوجي يخشى من الاغتيال بسبب أصله؟ لا أعرف. كلّ ما أعرفه هو أنّه كان يطلب أحيانا مني أن ألبس ثيابي لكي نسهر في أحد المطاعم الفاخرة في جنيف أو ضواحيها. وبعد أن ألبس ونركب في السيارة ونتجه إلى المكان إذا به فجأة يقول لي وكنت أنا التي أقود السيارة: عودي إلى البيت فورا! لا أريد الذهاب إلى هذا المطعم. وكنت أستغرب تصرّفاته وأعتقد أنه مصاب بداء نفسانيّ أو بهلوسة معيّنة لا تتركه يستريح أو يطمئن. وقد اقترحت عليه استشارة طبيب نفساني كبير في جنيف ولكنّه رفض.
وكان حريصا على أن ينال الجنسية السويسرية. وقد ظلّ يناضل طيلة التسعينات من أجل ذلك. ورفض طلبه أكثر من مرّة لأن الحصول على الجنسية السويسرية أمر صعب جدّا رغم أنّ زوجته، أي أنا، سويسرية. وقد كلّف محامين عديدين بملاحقة القضية وصرف أموالا طائلة على ذلك حتى فاز بها أخيرا عام 2001: أي قبل ضربة 11 سبتمبر بعدّة أشهر فقط!
الحملة على التعصب الديني
والتقاليد الخانقة
على مدار الكتاب كله نلاحظ أنّ المؤلفة تشنّ هجوما صاعقا على المجتمع السعودي وعلى نمط حياته بسبب احتقاره الشديد للمرأة بحسب رأيها ومن منظورها كغربية. وتقول ما معناه: لقد عشت في إيران ما قبل ثورة الخميني وزرت لبنان وبلدانا إسلامية وعربية أخرى ولكني لم أشعر أبدا بالمحاصرة والاختناق مثلما شعرت بالسعودية.
وتعتقد كارمين بن لادن بأن السبب يعود إلى أن إيران أو مصر أو لبنان ذات حضارات قديمة وعريقة سابقة على الإسلام. هذا في حين أنه لا يوجد شيء من هذا القبيل في السعودية. فهي بلد بدوي متقشف في نهاية المطاف. هذا هو تفسيرها للامور. وهو عرضة للنقاش بالطبع.
يضاف إلى ذلك أنّ هناك اختلافا كبيرا بين المذهب الوهّابي والمذاهب الإسلامية الأخرى. فالإسلام في مصر لا يضغط عليك بنفس الطريقة، وإنما يسمح لك بالتنفّس وحرية الحركة وعدم لبس الحجاب. وفي إيران كان الشيء ذاته متوافرا قبل حكم الخميني المتزمت والرجعي… أما في السعودية فهناك فصل مرعب بين الرجال والنساء. ولبس الحجاب الكامل من فوق الى تحت يمثّل مشكلة كبيرة بالنسبة للمرأة وخاصة إذا كانت أجنبية مثلي ومتعوّدة على حرية المجتمع السويسري!
ثمّ توضح كارمين بن لادن أفكارها أكثر وتقول: إن المسلمين الوهابيين يعتقدون بأن الحقيقة تكمن في التفسير الحرفي الجامد للقرآن. وبحسب رأيهم فلا يحق لأي شخص على وجه الأرض أن يطور تفسير هذه الكتابات المقدسة أو فهمها. وهكذا تبقى جامدة متحجرة إلى أبد الابدين. وعن هذا الجمود المرعب نتج أسامة بن لادن.
ومن هنا يحصل التناقض المريع بين الحداثة وطريقة فهمهم للدين. فهم على عكس المسلمين الآخرين لا يطورون فهم الدين لكي يتماشى مع المستجدات الحديثة. بل ويعتبرون هذه الأخيرة بدعة تنبغي محاربتها.
ثم تضيف المؤلفة قائلة:
ولهذا السبب كانت تحصل معارك في السعودية كلما حاول الملك إدخال إحدى المخترعات الجديدة كالتلفزيون، أو السيارات، أو الهاتف، أو سوى ذلك… وكثيرا ما حصل صراع بين السلطة التي تريد تحديث البلاد وبين طبقة رجال الدين أو قل الجناح الأكثر تشدّدا فيها. بالطبع فإنّ السينما لا تزال ممنوعة هناك، ولا توجد صالة سينما واحدة في كلّ المملكة العربية السعودية. أما المسرح فلا داعي للحديث عنه…
وبالتالي فالوهابيون يعيشون وعيونهم مسمّرة على الماضي: أي على العصور الأولى أو الوسطى. وكان من المتوقع أن يشدّهم الغنى الهائل الناتج عن البترول باتجاه الحداثة. ولكن ثقافتهم المغرقة في التزمت والتقليد الحرفي للسلف الصالح تشدهم باستمرار إلى الوراء. وبالتالي فلم تتغير عقليتهم على الرغم من تغيّر العالم المادّي من حولهم. وهذا هو المدهش في الأمر. وبالتالي فهناك انفصام شخصية او شيزوفرينيا مرعبة في المجتمع السعودي. وهنا مكمن الخطر.
ثم تصل كارمين بن لادن إلى بيت القصيد محذّرة الغرب من هذا التيار الإيديولوجي الضيق الذي يهدف إلى تدمير الحضارة، وتقول: ينبغي أن يعلم الغرب الأوروبي والأمريكي بأنه مستهدف من قبل هذا التيار الوهابي السلفي الحاقد على الحضارة وفكرة التقدم والتواصل الإنساني بين الشعوب. فهؤلاء لا يحترمون أي دين آخر غير دينهم، بل ويعتبروننا كفرة، فجرة، ينبغي تحويلنا إلى الإسلام (كما يفهمونه) بالقوة أو قتلنا. ولذلك فإن أسامة بن لادن الذي هو أخ زوجي ليس شخصا معزولا، وإنما هو نتاج مباشر لمجتمع بأكمله، ولنظام تعليمي متزمت إلى أقصى الحدود. والعديد من السعوديين يؤيدونه صراحة أو ضمنا. بالطبع على المستوى الفردي هناك مثقفون سعوديون يكرهونه ويرغبون في التواصل الحر مع الغرب والحداثة والحضارة. ولكنهم لا يزالون أقلية داخل المجتمع ولا يتجرؤون على رفع صوتهم.
نلاحظ هنا أنّ المؤلفة تشير الى التيار الليبرالي في السعودية ولكنها لاتعطيه حقّه من الاهتمام ولاتتوقف عنده الوقفة المطولة التي يستحقها. نقول ذلك ونحن نفكر بكل ذلك الجيل من الروائيين والصحفيين والمثقفات والمثقفين السعوديين الرائعين الذين يعملون من أجل الانفتاح والحرية، من أجل غد أفضل.


 
Free Hit Counter Search Engine Submission - AddMe