كتاب للكاتب جون ستراتشي بعنوان "حول منع الحرب" من ترجمة عبد العزيز توفيق، عن دار كتب عربية بالقاهرة.
يشير الكاتب فيه إلى أنه منذ أكثر من ربع قرن من الزمان، كانت المسائل الاقتصادية هى الفاصلة، والآن فإن المجتمعات العالية المتطورة والمصنعة قد صارت بين أمرين؛ فهى حسبما ذكرت جريدة "العرب اللندنية" إما أن تتغلب على صعوباتها الاقتصادية، وإما أن تتقاذفها يد الاضمحلال. والمسألة الفاصلة اليوم هى خطر الحرب النووية، فإذا فاتنا التغلب على هذه الأزمة الجديدة، لم يكن معنى ذلك نزول الاضمحلال بنا؛ بل إصابتنا بالتدمير العاجل.على أن منع الحرب كشيء يختلف ويتميز تمامًا عن تنكبها الوقتى أو إرجاء شبوبها، مسألة أصعب بكثير جدًّا مما يدركه الناس، حتى فى هذه الأيام. ويقول المؤلف: "حقًّا إن كثيرًا من الناس لا ينون عن ترديد قولهم بأن السلام قد أصبح شيئًا لا مندوحة عنه، بعد هذا التطور الذى ألم بالأسلحة النووية. بيد أن أولئك الذين يقدرون الصدق حق قدره، قد يخفى عليهم أن الحرب من أشد النظم البشرية تأصلاً.
هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى، قد يعمد ذوو المزاج الواقعى – كما يعتبرون أنفسهم – ممن نظروا فى السجل التاريخى بإمعان، إلى تجاهل حقيقة لا نزاع فيها؛ هى أن تسوية المنازعات بين الدول القومية، بطريقة الحرب، التى أضفى عليها القدم مسحة القداسة؛ قد أصبحت مدمرة، بصورة لا يقبلها العقل.
وما يستطيع أحد أن يلوم البشرية؛ إذ فاتها منذ البدء، على الأقل، مواجهة تلك المعضلة، التى أوقعنا فى حبائلها تقدم العلوم الطبيعية. لكن الحقيقة المرة، هى أن الحرب ضرورة، لا مندوحة عنها، لعالمنا الحاضر، المكون من دول ذات سيادة كاملة، ولكنها صارت شيئًا لا يطاق".
من هنا - كما يوضح ستراتشى حسبما ذكرت "العرب اللندنية" كانت الحاجة الآن أمس منها فى أى وقت مضى، إلى القيام بدراسات شاملة وواقعية أكثر، فى طبيعة الحرب بوجه عام، وفى الحرب النووية بوجه خاص. ويقول: "عندى أن الظن بأن فى الإمكان إحراز السلام بغير دراسة الحرب دراسات تشجيعية يواصل عدة أفراد القيام بها فى مدى عدة سنوات؛ أشبه الأشياء بأمانى الحالمين، أو من يظنون أن فى الإمكان التغلب على السرطان دون الحصول على فهم يزداد كل يوم وضوحًا، للحالة السقيمة للأنسجة المصابة. وهذا هو تفسير بحثنا فى المبادئ العسكرية المعاصرة، المعقود فى الباب الأول من هذا الكتاب.
وإن الكابتن ليدل هارت Liddell Hart فى كتابه الحديث الحاوى لمجموعة مقالات نشرها بعنوان "الردع أو الدفاع"؛ لينبذ بحق ذلك المثل الرومانى المبتذل: "إن شئت السلام فاستعد للحرب"، "وكان ما يعنيه الرومان هو: إن شئت النصر، فاستعد للحرب"، وهو يكتب المثل بعبارة من عنده جاعلاً إياه: "إن كنت ترغب فى السلام، فافهم الحرب"،.. وهذا صدق محض. ولن نستطيع أن نسمو فوق الحرب، إلا متى بدأنا نفهم طبيعتها، بمجموع نواحيها العسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والسيكولوجية، معًا".
ويشير المؤلف بحسب الجريدة إلى أن بعض الناس سيرون أنه من الغرور لمدنى مثله أن يبحث المبادئ العسكرية، وما تتمخض عنه من عواقب، على النحو الذى قام به فى الباب الأول، وليس عنده إزاء هذا سوى خطين للدفاع؛ أولهما وأضعفهما كثيرًا أن حظه السياسى قد اضطره إلى أن يدرس مسائل الدفاع، بوصفه أولاً وزيرًا للحرب فى بريطانيا، وثانيًا كأحد المتحدثين عن الدفاع من المعارضة البرلمانية البريطانية فى السنوات الأخيرة. أما خط دفاعه الثاني، فهو أن المسائل الخاصة، التى طرحت فى هذا الكتاب على بساط البحث، إنما هى بالضرورة مسائل الحرب النووية.
وعن هذه المسائل على الأقل سيكون جواب المؤلف لكل من يقول: وماذا يخيل إليه أنه يعرف عنها ؟ هو ببساطة: وماذا أعرف فعلاً ؟ ويتساءل المؤلف: " بعد ذلك، ما الذى يعرفه أكثر منى الأدميرالات، والجنرالات، وماريشالات الجو، أو أى إنسان آخر ؟ وفى الميدان الرهيب، ميدان الحرب النووية، لا نجد إنسانًا له خبرة ولا تقاليد ترشده، فنحن فى الهواء سواء، نحن فى زورق واحد، والزورق على أتون من نار !
ويشير المؤلف كذلك إلى أن دينه الكبير إنما هو للأعمال المنشورة فى الولايات المتحدة، التى ألفها خبراء دفاع مدنيون، أمثال البروفيسور برنارد برودي، والمستر دونالد برينان، والمستر مورتون هـ. هالبرت، والمستر هرمان كهن أوسكار مورجنسترن، والبروفيسور توماس شلنج، والمستر هنرى رووين، والمستر ألبرت وهاستيتر؛ وهو دين معترف به فى ثنايا الكتاب، كما أنه واضح يلمسه كل قارئ مطلع. ويقول ستراتشي: "بالإضافة إلى ذلك، سعدت بمباحثة هؤلاء الكتاب، فضلاً عن كثير غيرهم، كما حظيت بحضور سلسلة من الندوات، عقدت حول الباب الأول من الكتاب، ونظمها البروفيسور روبرت بوييه، بمركز الشؤون الدولية بجامعة هارفارد".
-